فصل: بحث قيم في الطاعون والفاحشة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.أبحاث تتعلق بالآية:

.قصة أمة:

إنها أمة واهنة القوى، ساقطة المستوى، كهذه الأمم المبعثرة في ربوع الشرق، الباقية على خريطة العالم القديم، كأنها أطلال دارسة، لحضارات طال عليها الأمد، وانقطع بها الزمن، وأدبرت عنها الحياة.
فهى- في شيخوختها العاثرة- تذكر ماضيها فترجو، ويلحقها حاضرها فتكبو.
إنها بين اليأس والأمل، وبين الحياة والموت، وبين رغبتها في العيش الكريم، وتعثرها في الأخذ بأسبابه.
تواجه الدنيا بأمانيها، ويواجهها القدر بدروسه، وتنزل إلى ميدان الحياة برغائبها المجردة، فيفاجئها الميدان بعقباته المعترضة، ومتاهاته المحيرة.
وقد وصلت- أخيرا- إلى ما تبغى، ولكن مثل ما يصل الفتى الغر إلى تحقيق أحلامه، بعد سنوات طويلات تترك تجاعيدها على جبينه.
وبعد أحداث قاهرات تدع ندوبها في فؤاده، وكفاح موصول المرارة والتجهم والمصابرة، لم يزل به حتى يغير منه كل شىء.
فكأن الذي وصل إلى أخر الطريق، شخص آخر، غير الذي بدأ مراحله، ووقف على أوائله لا يعرف ما يكون، ولا يدرى ما يخبأ له.
هذه الأمم تموت حتما: الأمة التي تقبل الخنوع وتعطى الدنية من نفسها، لن تحرم من مكان تعيش فيه، فإن سادة العالم لن يرفضوا الاستكثار من الخدم والأتباع.
ولا ضير على الواحد منهم، إن سخر مستعمرة واسعة الرقعة، ليعيش ما فيها من حيوان، وما فيها من إنسان، سواسية في العمل له والفناء فيه.
بيد أن الشعوب الخادمة لغيرها، ليست إلا شعوبا ماتت فيها المواهب الإنسانية العليا، وارتكست فيها الملكات الذكية اليقظة.
فهى توصف بالحياة، كما يصف السادة بالحياة كلاب الصيد التي تلهث بين أيديهم، أو أبقار الحرث التي تعمل في حقولهم!.
أما هم- من الناحية الإنسانية المحضة- فأموات.
وكل أمة تنكل عن حمل أعباء الحياة الحرة الأبية، وتنكص عن الإقدام في ساحات الجهاد والتضحية، وتخشى عواقب المخاطرة والجرأة، فلابد أن تصدر عليها محكمة التاريخ، حكمها بالإعدام.
وهكذا بدأ القرآن يقص أنباء هذه الأمة التي فرت من تكاليف الحياة فأدركها الموت!: {ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا}.
فحقت عليهم كلمة العذاب، وماتوا في الديار التي عجزوا عن الدفاع عنها، كما تموت- الآن- شعوب كثيرة في المستعمرات، وفى الأمم المستقلة اسما، والمرتبطة مع قاهريها بمعاهدات!.
فلما أراد الله أن يعلم هذه الأمة كيف تحيا، أشعرها أن دون نيل الحياة الكريمة.
بذل النفس والنفيس، ودفع الضرائب المفروضة على الدم والمال فقال لهم: {قاتلوا في سبيل الله}.
ثم قال لهم: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له}.
وهيهات أن تستطيع الأمم الخوارة، دفع ذلك الثمن الغالى! وكيف تدفعه من نفوس هي بها- في الحق- شحيحة؟! ومن أموال هي بها- في الخير- ضنينة؟. اهـ.

.بحث قيم في الطاعون والفاحشة:

سمي بأسماء عديدة ولكنها مرعبة، فهو تارة يسمى بالموت الأسود، وتارة أخرى بالطاعون الأسود، لنتأمل كيف أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بهذا الوباء القاتل.
بدأ الانحطاط الأخلاقي بالانتشار في أجزاء مختلفة من أنحاء العالم، ومنها الدول الإسلامية بسبب كثرة الأموال والجاريات والغواني ومجالس اللهو الطرب والخمر. وقد كانت أماكن كثيرة من العالم تعجّ بالفساد والفاحشة.
وفي القرن الرابع عشر في عام 1347 بدأ مرض جديد لم يكن منتشرًا من قبل هو مرض الطاعون، بدأ بالانتشار في جنوب آسيا والصين وقتل أكثر من لوحة تعبر عن صورة الموت الذي خلفه الطاعون في أوربا في القرن السابع عشر.
75 مليون شخص وانتقل إلى أوربا، وقتل وقتها ثلثي سكان أوربا، وسمي بالموت الأسود.
ومع بداية عصر النهضة في أوربا بدأت ظاهرة الفساد الأخلاقي بالتفشي أكثر فأكثر، وبدأ الناس في دول الغرب يجاهرون بالمعاصي بشكل غير مسبوق، وكان ذلك في القرن السابع عشر الميلادي. ولذلك وبسبب كثرة الزنا والشذوذ الجنسي بدأ مرض الطاعون بالانتشار في مختلف أنحاء أوربا.
وبالطبع لا يمكن مقارنة ذلك العصر بما تعيشه اليوم أوربا من فساد أخلاقي، ولكن بدايات تفشي الفواحش بدأت مع القرن السابع عشر بسبب توافر أماكن خاصة للدعارة وانتشارها في أنحاء متفرقة من أوربا.
لقد كان هذا المرض إنذارًا إلهيًا مرعبًا، فقد أحدث خللًا كبيرًا في حياة البشر، وفوضى لم يسبق لها مثيل من قبل.

.كيف بدأت القصة:

يؤكد العديد من علماء الغرب أنفسهم أن انتشار مرض الطاعون والذي حصد أكثر من عشرين مليون إنسان خلال أسابيع قليلة، يؤكدون أن هذا المرض إنما هو عقاب من الله بسبب فساد الأخلاق وتفشي الفواحش، ونؤكد عزيزي القارئ أن هذا كلامهم أنفسهم.
جرثومة الطاعون Yersinia pestis التي قتلت أكثر من ثلثي سكان الصين والهند وأوربا خلال زمن قصير وبشكل مفاجئ.
ويسبب الطاعون ألمًا شديدًا وحمى وورمًا في الغدد اللمفاوية، ويسبب هذا المرض بقعًا حمراء على الجلد ثم تتجول إلى بقع سوداء مخيفة. ويشعر مريض الطاعون بالصداع والبرد في الأطراف، وتسرع في ضربات القلب، ثم يحدث نزيف تحت جلدي، ويسبب لطخات على الجلد، ثم يبدأ الجهاز العصبي بالانهيار، وتبدأ بعد ذلك الاضطرابات العصبية الغريبة والتي يتمايل منها المريض وكأنه يرقص رقصة الموت! وخلال عدة أيام يكون الجلد قد اسود وفارق المريض الحياة.

.إحصائيات مرعبة:

نقدم من خلال هذا الجدول إحصائية بسيطة لنسبة الذين ماتوا بالطاعون في أوربا فقط، ونلاحظ أن الطاعون الذي ضرب أوربا عام 1630 قد حصد بحدود 69 % من سكان أوربا، وهي أعلى نسبة للموت في التاريخ!
السنة- نسبة الموت من عدد السكان:
1347- 52 5%- 35%
1563- 1636 10- 30%
1665 28%
1630 35%- 69%
1709- 13 30%- 49%
1720 25%- 50%
1743 60%
ويؤكد الباحثون حديثًا بأن هذا المرض كان يظهر بشكل مفاجئ ثم يختفي. ولم يختفي هذا المرض إلا في القرن التاسع عشر، وفي القرن العشرين عادت الكثير من الأمراض التي ظهرت بسبب تفشي الفواحش من جديد.
وربما يكون أشهرها مرض الإيدز الذي يقتل ملايين الأشخاص في المناطق الأكثر فسادًا في العالم. إذن يمكننا أن نستنتج حقيقة تاريخية وطبية وهي أنه بدأ مرض الطاعون بالتفشي لقرون عدة، ثم بدأت بعده أمراضًا لم تكن معروفة من قبل مثل الإيدز وغيره من الأمراض التي ارتبطت بالفواحش مثل الزنا والشذوذ الجنسي.
والسؤال: هل من حديث نبوي يتنبأ بهذه الحقائق؟

.المعجزة النبوية:

يقول صلى الله عليه وسلم: «لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا». رواه ابن ماجه. إن هذا الحديث يمثل معجزة نبوية حيث يتحدث بوضوح عن مرض الطاعون، ثم عن أمراض وأوجاع لم تكن معروفة من قبل، وهذا هو مرض الإيدز خير شاهد على ذلك.
بعض آثار الطاعون الأسود الذي فاجأ البشر مرات عديدة وقتل مئات الملايين من الناس بسرعة مرعبة.
لقد ربط البيان النبوي بين ظهور الفاحشة والإعلان بها، وبين الطاعون والأمراض التي لم تكن في الأمم السابقة، ومن خلال المعلومات التي رأيناها نستنتج أن ظهور الطاعون أولًا ثم الأمراض الجديدة التي لم تكن معروفة من قبل، يرتبط بكثرة الفواحش.
ولا نملك إلا أن ندعو بأكثر دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم قنا عذابك يوم تبعث عبادك». اهـ.

.تفسير الآية رقم (244):

قوله تعالى: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (244)}.

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما بيّن سبحانه وتعالى أن الموت لا يصون منه فرار أمر بالجهاد الذي هو المقصود الأعظم بهذه السياقات ولفت القول إلى من يحتاج إلى الأمر به وصدره بالواو فأفهم العطف على غير معطوف عليه مذكور أن التقدير: فلا تفروا من أسباب الموت بل اثبتوا في مواطن البأساء {وقاتلوا} وعبر بفي الظرفية إشارة إلى وجوب كونهم في القتال وإن اشتدت الأحوال مظروفين للدين مراعين له لا بخرجون عنه بوجه ما فيصدقون في الإقدام على من لج في الكفران ويسارعون إلى الإحجام عمن بدا منه الإذعان ونحو ذلك من مراعاة شرائع الإيمان، وعبر بالسبيل إشارة إلى يسر الدين ووضوحه فلا عذر في الخروج عن شيء منه بحال فقال: {في سبيل الله} أي الذي لا كفوء له كما كتبه عليكم وإن كنتم تكرهون القتال.
ولما أمرهم بعد ما حذرهم رغبهم ورهبهم بقوله: {واعلموا} منبهًا لهم لأن يلقوا أسماعهم ويحضروا أفهامهم لما يلقى عليهم {أن الله} أي الذي له القدرة الكاملة والعلم المحيط {سميع} لما تقولون إذا أمرتم بما يكره من القتال {عليم} بما تضمرون من الإعراض عنه والإقبال فهو يجازيكم على الخير قولًا وعملًا ونية، الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعين ضعفًا إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وعلى السيئة بمثلها إن شاء {ولا يظلم ربك أحدًا} [الكهف: 49]. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

فيه قولان الأول: أن هذا خطاب للذين أحيوا، قال الضحاك: أحياهم ثم أمرهم بأن يذهبوا إلى الجهاد لأنه تعالى إنما أماتهم بسبب أن كرهوا الجهاد.
واعلم أن القول لا يتم إلا بإضمار محذوف تقديره: وقيل لهم قاتلوا.
والقول الثاني: وهو اختيار جمهور المحققين: أن هذا استئناف خطاب للحاضرين، يتضمن الأمر بالجهاد إلا أنه سبحانه بلطفه ورحمته قدم على الأمر بالقتال ذكر الذين خرجوا من ديارهم لئلا ينكص عن أمر الله بحب الحياة بسبب خوف الموت، وليعلم كل أحد أنه يترك القتال لا يثق بالسلامة من الموت، كما قال في قوله: {قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الفرار إِن فَرَرْتُمْ مّنَ الموت أَوِ القتل وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلًا} [الأحزاب: 16] فشجعهم على القتال الذي به وعد إحدى الحسنيين، إما في العاجل الظهور على العدو، أو في الآجل الفوز بالخلود في النعيم، والوصول إلى ما تشتهي الأنفس وتلذ الأعين.
أما قوله تعالى: {فِى سَبِيلِ الله} فالسبيل هو الطريق، وسميت العبادات سبيلًا إلى الله تعالى من حيث أن الإنسان يسلكها، ويتوصل إلى الله تعالى بها، ومعلوم أن الجهاد تقوية للدين، فكان طاعة، فلا جرم كان المجاهد مقاتلًا في سبيل الله ثم قال: {واعلموا أَنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} أي هو يسمع كلامكم في ترغيب الغير في الجهاد، وفي تنفير الغير عنه، وعليم بما في صدوركم من البواعث والأغراض وأن ذلك الجهاد لغرض الدين أو لعاجل الدنيا. اهـ.